الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»
.تفسير الآيات (19- 22): {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً (19) وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (20) عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (21) إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (22)}قوله تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ} بين من الذي يطوف عليهم بالآنية، أي ويخدمهم ولدان مخلدون، فإنهم أخف في الخدمة. ثم قال: مُخَلَّدُونَ أي باقون على ما هم عليه من الشباب والغضاضة والحسن، لا يهرمون ولا يتغيرون، ويكونون على سن واحدة على مر الأزمنة.وقيل: مخلدون لا يموتون.وقيل: مسورون مقرطون، أي محلون والتخليد التحلية. وقد تقدم هذا. {إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً} أي ظننتهم من حسنهم وكثرتهم وصفاء ألوانهم: لؤلؤا مفرقا في عرصة المجلس، واللؤلؤ إذا نثر على بساط كان أحسن منه منظوما. وعن المأمون أنه ليلة زفت إليه بوران بنت الحسن بن سهل، وهو على بساط منسوج من ذهب، وقد نثرت عليه نساء دار الخليفة اللؤلؤ، فنظر إليه منثورا على ذلك البساط فاستحسن المنظر وقال: لله در أبي نواس كأنه أبصر هذا حيث يقول:وقيل: إنما شبههم بالمنثور، لأنهم سراع في الخدمة، بخلاف الحور العين إذ شبههن باللؤلؤ المكنون المخزون، لأنهن لا يمتهن بالخدمة. قوله تعالى: {وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً} ثَمَّ: ظرف مكان أي هناك في الجنة، والعامل في ثَمَّ معنى رَأَيْتَ أي وإذا رأيت ببصرك ثَمَّ.وقال الفراء: في الكلام {ما} مضمرة، أي وإذا رأيت ما ثم، كقوله تعالى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام: 94] أي ما بينكم.وقال الزجاج: {ما} موصولة ب- ثَمَّ على ما ذكره الفراء، ولا يجوز إسقاط الموصول وترك الصلة، ولكن رَأَيْتَ يتعدى في المعنى إلى ثَمَّ والمعنى: إذا رأيت ببصرك ثَمَّ ويعني ب- ثَمَّ الجنة، وقد ذكر الفراء هذا أيضا. والنعيم: سائر ما يتنعم به. والملك الكبير: استئذان الملائكة عليهم، قاله السدي وغيره. قال الكلبي: هو أن يأتي الرسول من عند الله بكرامة من الكسوة والطعام والشراب والتحف إلى ولي الله وهو في منزله، فيستأذن عليه، فذلك الملك العظيم. وقاله مقاتل بن سليمان.وقيل: الملك الكبير: هو أن يكون لأحدهم سبعون حاجبا، حاجبا دون حاجب، فبينما ولي الله فيما هو فيه من اللذة والسرور إذ يستأذن عليه ملك من عند الله، قد أرسله الله بكتاب وهدية وتحفة من رب العالمين لم يرها ذلك الولي في الجنة قط، فيقول للحاجب الخارج: استأذن على ولي الله فإن معي كتابا وهدية من رب العالمين. فيقول هذا الحاجب للحاجب الذي يليه: هذا رسول من رب العالمين، معه كتاب وهدية يستأذن على ولي الله، فيستأذن كذلك حتى يبلغ إلى الحاجب الذي يلي ولي الله فيقول له: يا ولي الله! هذا رسول من رب العالمين يستأذن عليك، معه كتاب وتحفة من رب العالمين أفيؤذن له؟ فيقول: نعم! فأذنوا له. فيقول ذلك الحاجب الذي يليه: نعم فأذنوا له. فيقول الذي يليه للآخر كذلك حتى يبلغ الحاجب الآخر. فيقول له: نعم أيها الملك، قد أذن لك، فيدخل فيسلم عليه ويقول: السلام يقرئك السلام، وهذه تحفة، وهذا كتاب من رب العالمين إليك. فإذا هو مكتوب عليه: من الحي الذي لا يموت، إلى الحي الذي يموت. فيفتحه فإذا فيه: سلام على عبدي ووليي ورحمتي وبركاتي، يا وليي أما آن لك أن تشتاق إلى رؤية ربك؟ فيستخفه الشوق فيركب البراق فيطير به البراق شوقا إلى زيادة علام الغيوب، فيعطيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.وقال سفيان الثوري: بلغنا أن الملك الكبير تسليم الملائكة عليهم، دليله قوله تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ}. {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 24- 23].وقيل: الملك الكبير كون التيجان على رؤوسهم كما تكون على رأس ملك من الملوك.وقال الترمذي الحكيم: يعني ملك التكوين، فإذا أرادوا شيئا قالوا له كن.وقال أبو بكر الوراق: ملك لا يتعقبه هلك.وفي الخبر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الملك الكبير هو أن أدناهم منزلة ينظر في ملكه مسيرة ألفي عام، يرى أقصاه كما يرى أدناه» قال: «وإن أفضلهم منزلة من ينظر في وجه ربه تعالى كل يوم مرتين» سبحان المنعم. قوله تعالى: {عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ} قرأ نافع وحمزة وابن محيصن: {عالِيَهُمْ} ساكنة الياء، واختاره أبو عبيد اعتبارا بقراءة ابن مسعود وابن وثاب وغيرهما {عاليتهم} وبتفسير ابن عباس: أما رأيت الرجل عليه ثياب يعلوها أفضل منها. الفراء: وهو مرفوع بالابتداء وخبره ثِيابُ سُندُسٍ واسم الفاعل يراد به الجمع. ويجوز في قول الأخفش أن يكون إفراده على أنه اسم فاعل متقدم وثِيابُ مرتفعة به وسدت مسد الخبر، والإضافة فيه في تقدير الانفصال لأنه لم يخص، وابتدئ به لأنه أختص بالإضافة. وقرأ الباقون: {عاليهم} بالنصب.وقال الفراء: هو كقولك فوقهم، والعرب تقول: قومك داخل الدار فينصبون داخل على الظرف، لأنه محل. وأنكر الزجاج هذا وقال: هو مما لا نعرفه في الظروف، ولو كان ظرفا لم يجز إسكان الياء. ولكنه بالنصب على الحال من شيئين: أحدهما الهاء والميم في قوله:يَطُوفُ عَلَيْهِمْ أي على الأبرار وِلْدانٌ عاليا الأبرار ثياب سندس، أي يطوف عليهم في هذه الحال، والثاني: أن يكون حالا من الولدان، أي إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً في حال علو الثياب أبدانهم.وقال أبو علي: العامل في الحال إما لَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً وإما جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا قال: ويجوز أن يكون ظرفا فصرف. المهدوي: ويجوز أن يكون اسم فاعل ظرفا، كقولك هو ناحية من الدار، وعلى أن عاليا لما كان بمعنى فوق أجرى مجراه فجعل ظرفا. وقرأ ابن محيصن وابن كثير وأبو بكر عن عاصم {خُضْرٍ} بالجر على نعت السندس وَإِسْتَبْرَقٌ بالرفع نسقا على الثياب، ومعناه عاليهم ثياب سندس وإستبرق. وقرأ ابن عامر وأبو عمرو ويعقوب: {خُضْرٌ} رفعا نعتا للثياب وَإِسْتَبْرَقٌ بالخفض نعتا للسندس، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لجودة معناه، لان الخضر أحسن ما كانت نعتا للثياب فهي مرفوعة، وأحسن ما عطف الإستبرق على السندس عطف جنس على جنس، والمعنى: عاليهم ثياب خضر من سندس وإستبرق، أي من هذين النوعين. وقرأ نافع وحفص كلاهما بالرفع ويكون خُضْرٌ نعتا للثياب، لأنهما جميعا بلفظ الجمع وَإِسْتَبْرَقٌ عطفا على الثياب. وقرأ الأعمش وابن وثاب وحمزة والكسائي كلاهما بالخفض ويكون قوله: خُضْرٌ نعتا للسندس، والسندس اسم جنس، وأجاز الأخفش وصف اسم الجنس بالجمع على استقباح له، وتقول: أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض، ولكنه مستبعد في الكلام. والمعنى على هذه القراءة: عاليهم ثياب سندس خضر وثياب إستبرق. وكلهم صرف الإستبرق إلا ابن محيصن، فإنه فتحه ولم يصرفه فقرأ {وإستبرق} نصبا في موضع الجر، على منع الصرف، لأنه أعجمي، وهو غلط، لأنه نكرة يدخله حرف التعريف، تقول الإستبرق إلا أن يزعم ابن محيصن أنه قد يجعل علما لهذا الضرب من الثياب. وقرئ: {وإستبرق} بوصل الهمزة والفتح على أنه سمى باستفعل من البريق، وليس بصحيح أيضا، لأنه معرب مشهور تعريبه، وأن أصله استبرك والسندس: ما رق من الديباج. والإستبرق: ما غلظ منه. وقد تقدم.قوله تعالى: {وَحُلُّوا} عطف على وَيَطُوفُ. {أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} وفي سورة فاطر {يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} وفي سورة الحج {يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً} [الحج: 23]، فقيل: حلي الرجل الفضة وحلي المرأة الذهب.وقيل: تارة يلبسون الذهب وتارة يلبسون الفضة.وقيل: يجمع في يد أحدهم سواران من ذهب وسواران من فضة وسواران من لؤلؤ، ليجتمع لهم محاسن الجنة، قاله سعيد بن المسيب.وقيل: أي لكل قوم ما تميل إليه نفوسهم. {وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً} قال علي رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً} قال: إذا توجه أهل الجنة إلى الجنة مروا بشجرة يخرج من تحت ساقها عينان، فيشربون من إحداهما، فتجري عليهم بنضرة النعيم، فلا تتغير أبشارهم، ولا تتشعث أشعارهم أبدا، ثم يشربون من الأخرى، فيخرج ما في بطونهم من الأذى، ثم تستقبلهم خزنة الجنة فيقولون لهم: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ} [الزمر: 73].وقال النخعي وأبو قلابة: هو إذا شربوه بعد أكلهم طهرهم، وصار ما أكلوه وما شربوه رشح مسك، وضمرت بطونهم.وقال مقاتل: هو من عين ماء على باب الجنة، تنبع من ساق شجرة، من شرب منها نزع الله ما كان في قلبه من غل وغش وحسد، وما كان في جوفه من أذى وقذر. وهذا معنى ما روى عن علي، إلا أنه في قول مقاتل عين واحدة وعليه فيكون فعولا للمبالغة، ولا يكون فيه حجة للحنفي أنه بمعنى الطاهر. وقد مضى بيانه في سورة الفرقان والحمد لله.وقال طيب الجمال: صليت خلف سهل بن عبد الله العتمة فقرأ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً وجعل يحرك شفتيه وفمه، كأنه يمص شيئا، فلما فرغ قيل له: أتشرب أم تقرأ؟ فقال: والله لو لم أجد لذته عند قراءته كلذته عند شربه ما قرأته. قوله تعالى: {إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً} أي يقال لهم: إنما هذا جزاء لكم أي ثواب. وَكانَ سَعْيُكُمْ أي عملكم مَشْكُوراً أي من قبل الله، وشكره للعبد قبول طاعته، وثناؤه عليه، وإثابته إياه.وروى سعيد عن قتادة قال: غفر لهم الذنب وشكر لهم الحسنى. وقال مجاهد: مَشْكُوراً أي مقبولا والمعنى متقارب، فإنه سبحانه إذا قبل العمل شكره، فإذا شكره أثاب عليه بالجزيل، إذ هو سبحانه ذو الفضل العظيم. روي عن ابن عمر: أن رجلا حبشيا قال: يا رسول الله! فضلتم علينا بالصور والألوان والنبوة، أفرأيت إن آمنت بما آمنت به، وعملت بما عملت، أكائن أنا معك في الجنة؟ قال: «نعم والذي نفسي بيده إنه ليرى بياض الأسود في الجنة وضياؤه من مسيرة ألف عام» ثم قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من قال لا إله إلا الله كان له بها عند الله عهد، ومن قال سبحان الله والحمد لله كان له بها عند الله مائة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة»، فقال الرجل: كيف نهلك بعدها يا رسول الله؟ فقال: «إن الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل لو وضعه على جبل لاثقله. فتجيء النعمة من نعم الله فتكاد أن تستنفد ذلك كله إلا أن يلطف الله برحمته». قال: ثم نزلت {هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} إلى قوله: {وَمُلْكاً كَبِيراً} قال الحبشي: يا رسول الله! وإن عيني لترى ما ترى عيناك في الجنة؟ فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نعم» فبكى الحبشي حتى فاضت نفسه.وقال ابن عمر: فلقد رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدليه في حفرته ويقول: إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً قلنا: يا رسول الله وما هو؟ قال: «والذي نفسي بيده لقد أوقفه الله ثم قال أي عبدي لابيضن وجهك ولابوئنك من الجنة حيث شئت، فنعم أجر العاملين». .تفسير الآيات (23- 26): {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (26)}قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا} ما افتريته ولا جئت به من عندك، ولا من تلقاء نفسك، كما يدعيه المشركون. ووجه اتصال هذه الآية بنا قبل أنه سبحانه لما ذكر أصناف الوعد والوعيد، بين أن هذا الكتاب يتضمن ما بالناس حاجة إليه، فليس بسحر ولا كهانة، ولا شعر، وأنه حق.وقال ابن عباس: أنزل القرآن متفرقا: آية بعد آية، ولم ينزل جملة واحدة، فلذلك قال نَزَّلْنا وقد مضى القول في هذا مبينا والحمد لله. قوله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} أي لقضاء ربك.وروى الضحاك عن ابن عباس قال: اصبر على أذى المشركين، هكذا قضيت. ثم نسخ بآية القتال.وقيل: أي اصبر لما حكم به عليك من الطاعات، أو انتظر حكم الله إذ وعدك أنه ينصرك عليهم، ولا تستعجل فإنه كائن لا محالة. وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أي ذا إثم أَوْ كَفُوراً أي لا تطع الكفار. فروى معمر عن قتادة قال: قال أبو جهل: إن رأيت محمدا يصلي لأطأن على عنقه. فأنزل الله عز وجل: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً}. ويقال: نزلت في عتبة بن ربيعة والوليد ابن المغيرة، وكانا أتيا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعرضان عليه الأموال والتزويج، على أن يترك ذكر النبوة، ففيهما نزلت: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً}. قال مقاتل: الذي عرض التزويج عتبة بن ربيعة، قال: إن بناتي من أجمل نساء قريش، فأنا أزوجك ابنتي من غير مهر وأرجع عن هذا الامر.وقال الوليد: إن كنت صنعت ما صنعت لأجل المال، فأنا أعطيك من المال حتى ترضى وارجع عن هذا الامر، فنزلت. ثم قيل: أَوْ في قوله تعالى: {آثِماً أَوْ كَفُوراً} أوكد من الواو، لان الواو إذا قلت: لا تطع زيدا وعمرا فأطاع أحدهما كان غير عاص، لأنه أمره ألا يطيع الاثنين، فإذا قال: {لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} ف {أَوْ} قد دلت على أن كل واحد منهما أهل أن يعصى، كما أنك إذا قلت: لا تخالف الحسن أو ابن سيرين، أو اتبع الحسن أو ابن سيرين فقد قلت: هذان أهل أن يتبعا وكل واحد منهما أهل لان يتبع، قاله الزجاج.وقال الفراء: أَوْ هنا بمنزلة لا كأنه قال: ولا كفورا، قال الشاعر:أراد ولا وجد شيخ.وقيل: الآثم المنافق، والكفور الكافر الذي يظهر الكفر، أي لا تطع منهم آثما ولا كفورا. وهو قريب من قول الفراء. قوله تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} أي صل لربك أول النهار وآخره، ففي أوله صلاة الصبح وفي آخره صلاة الظهر والعصر {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ} يعني صلاة المغرب والعشاة الآخرة {وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} يعني التطوع في الليل، قاله ابن حبيب.وقال ابن عباس وسفيان: كل تسبيح في القرآن فهو صلاة.وقيل: هو الذكر المطلق سواء كان في الصلاة أو في غيرها.وقال ابن زيد وغيره: إن قوله: وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا منسوخ بالصلوات الخمس وقيل: هو ندب.وقيل: هو مخصوص بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد تقدم القول في مثله في سورة المزمل وقول ابن حبيب حسن. وجمع الأصيل: الأصائل والأصل كقولك سفائن وسفن قال: وقال في الأصائل وهو جمع الجمع: وقد مضى هذا في آخر الأعراف مستوفى. ودخلت {مِنَ} على الظرف للتبعيض كما دخلت على المفعول في قوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ}.
|